الأحد، 21 أكتوبر 2012

وغدا لقريب !!!










"هذا المقال تم إعتماده من دكتور علم النفس بكلية آداب جامعة القاهرة"


         بعد مرور ثلاثون عاماً من الظلم والاستبداد وأكثر من ستون عاماً من الديكتاتورية وسياسة الرأى الاوحد . قامت ثورة الخامس والعشرون من يناير حتى تعبر عن تطلعات الشعب من الحرية والكرامة والعدالةالانسانية .
سقطت الضحايا . تيتم الاطفال . واصيب الشباب ، لهدف واحد هو الحرية والحصول على ادنى الحقوق الانسانيه  في التعبير عن الرأى والحق فى لقمة العيش والمساواه والحياة الكريمة  .
 وبعد مرور أكثر من سنه ونصف يمكن أن نقول ان الثورة نجحت في خلع رأس النظام . لكنها لم تخلع نظامه بدكتاتوريته وظلمه وطغيانه . بل ابدلته بمن هو اسوأ منه .

لقد ابدلت الثورة رأس النظام "حسنى مبارك" بمن هو أكثر ديكتاتورية منه ،  بمن يستغل الدين لصالحه ، بمن يلعب بمشاعر المواطنين ، بمن يتظاهر انه يكره النظام القديم وهو فى طياناتيه مؤمن به اشد الايمان ومقتنع به اشد الاقتناع .
نعم لقد سقط النظام . ولكن ظهر نظام جديد متصالح مع من كان قبله ومتفق معه . إنه  اشرس واكثر ديكتاتورية مما كان قبله  ولكنه يستخدم وسائل جديدة لاخفاء الحقائق وتغييب وعى الشعب . لقد استغل ايمان الناس وبدأ فى التلاعب بمشاعرهم الدينيز واستخدم الدين فى تكفير كل معارض وسجن كل مناضل حتى  افاق المصريون على واقع لم يتصوروه بعدما كانو يحلمون  بثورة من المفترض ان تكون الشمس المشرقة على مصر المحروسة . ووجدو أنفسهم داخل سجن كبير مغلف بباقات من الورود المزيفة  .
لا استطيع أن اقول اننا لسنا السبب . لا استطيع أن اقول انه يوجد سبب آخر لكل ما حدث و سوف يحدث غيرنا نحن .
نحن من تركنا الشعب المصرى يستغل لصالح مكاسب سياسية وهمية . نحن من تركناهم ينتشرون بأسم الدين . نحن من تركناهم يغيبوا عقول المصريين . نحن السبب فى وصول من قامو بتلويث الحلم و صعدوا على أجساد شهادائنا وصولاً الى السلطة ولم نكلف نفسنا ولو لدقيقة  لنوعي هذا لشعب الباسل  .
ولكن دعنا نترك الماضى وننظر الى حالنا اليوم وما نحن عليه وما نتج عن الثورة التى كنا نحلم بها .
حالنا اليوم يشبه الوقوف فى المنتصف ما بين هذا وذاك ما بين نظام ديكتاتورى وثورة حقيقيه تقضى على الظلم  وبينهما نظام اكثر ديكتاتورية يستغل الدين لتحقيق مكاسب سياسية .

في الحقيقة ان الثورة لم تحقق اي شئ من اهدافها لا اعيش حققت ولا الحرية والكرامة حافظت عليها . ولكن كل ما حدث هو بعض التغيرات في المشهد السياسي وهذه التغيرات تتلخص في بعض النقاط وهي :
1-  كسر حاجز الكثرة العددية .
2-  إنتشار اوسع للبلطجه وغياب الامن .
3-  المتاجره بالدين وإستغلال النزعة الدينية فى السراعات السياسية .
4-  ازدياد التدهور الاقتصادى وانخفاض مستوى المعيشة .
5- الانتقال من التفكير فى مصلحه الوطن الى التفكير فى المكاسب السياسية .
6- افتقاد العزيمة والامل فى مستقبل مشرق

واذا تحدثنا عن كل عنصر من هذه العناصر منفصلة يمكن ان نبدأ بـــ

1- كسر حاجز الكثرة العددية :
كسرت الثورة المصرية حاجز الخوف لدى المصريين . قبل الثورة كان كثير منا يخاف من النزول فى المظاهرات او إبداء رأى مخالف او التحدث فى الامور السياسية او حتي الاجتماعيه  ولكن جائت الثورة وكسرت هذا الحاجز واصبح كل مواطن لا يخاف من المطالبة بحقه المشروع . وفى الحقيقة انا ارى انها النتيجة الوحيده الايجابيه من هذه الثورة ولكن فى نفس الوقت فهى من اسباب فشلها !!!      وهذا لانها كما جعلت الشعب لا يخاف من الحاكم ويثور عليه جعلت فى نفس الوقت الحاكم لا يخاف من الكثره العدديه ضده . فمن سنوات كان الحاكم ترتعش ركبتيه من اى احتجاج او تظاهر ضده مهما كانت الاعداد قليله ولكن اليوم مهما كان الميدان مليئا بالملايين فان السلطة لا ترتعب من تلك الملايين وتبدأ فى صدهم بشتى الوسائل كالتخوين والتشويه والتكفير والترهيب من الفوضى .

2-  انتشار اوسع للبلطجه وغياب الامن :
ليس معنى هذا ان قبل الثورة كانت مصر امنه وبعيده عن البلطجه ولكن كانت البلطجه فى يد الحاكم يطلقها متى شاء ويصدها متى اراد وفقا لمصالحه ومصالح اتباعه . ولكن اليوم وبعد هزيمة الشرطه يوم الثامن والعشرون من يناير اصبح لها حجه لعدم القيام بواجبها وهى عدم الاحتكاك بالشعب واصبح البلطجيه احراراً والمواطن مزعوراً  .

3-  المتاجرة بالدين واستغلال النزعة الدينية فى السراعات السياسية :
منذ قديم الزمان ومصر محكومه بنظام ديكتاتورياً لا يرى الحاكم ان الشعب له قيمة وله رأى ولكنه يرى انه هو الوحيد ذو الرأى الصحيح ونجد هذا على مر العصور من حكم الفراعنه حتى حكم الطاغيه حسنى مبارك مروراً بالحكم العسكرى ابتداءا من جمال عبد الناصر و انور السادات حتى عصر مبارك  "ونستثني فقط بعض الفترات من الحكم الاسلامي"  ولكن لكل ديكتاتوراً طريقتة فى استغلال الشعب وتضليله فكانو الفراعنه يستخدمون الحكم الإلهى وانهم الهه رأيهم هو الصواب دائما.  واعتمد جمال عبد الناصر على الخطابات الشعبيه العاطفية  والتلاعب بمشاعر المواطنين بكلمات رقيقة ناعمة . كما اعتمد انور السادات على الخطاب الحاد والتخويف والترهيب . اما حسنى مبارك فقد اعتمد على الهاء الشعب بأشياء تافهه ليس لها قيمة وترهيب المواطنين بأن كل معارض هو تابع لاجندة خارجية ويريد الفوض للمجتمع .
ولكنهم جميعا كانو نظم ديكتاتورية مهما كان لهم من انجازات  فهم لا يجدون الصواب الا فى رأيهم وحدهم ولا يعترفون بحق المواطن فى التعبير عن رأيه .
اما اليوم ونحن فى ظل نمو نظام ديكتاتورى جديد فانه يستخدم نظاماً مبتكرا على مصر وليس بجديد علي البشرية . هو المتاجره بالدين واستغلال النزعه الدينية لدى المواطنين وهذا نراه واضحا فى كثير من الاحداث التى مرت بها البلاد مثل :
 1- الاستفتاء على التعديلات الدستورية وتضليل المصوتين بمن يصوت بنعم فأنه ينصر الإسلام وغيره فأنه كافر غير مسلم ولا مؤمن بالله .
2- تضليل المواطنين بأن المظاهرات والديموقراطيه كفر وبأن المتظاهرين ملحدين والتشويه المتعمد لكن من يعترض على حكمهم المستبد او يكشف نواياهم غير المعلنة .
3- الانتخابات الرئاسيه وتقويه مرشحهم بأنه سوف يطبق الشريعه الاسلاميه .

4-  ازدياد التدهور الاقتصادى وانخفاض مستوى المعيشة :
مصر تتمتع بأموال كثيرة ومع كثرة الاموال كثر الفاسدين والناهبين لاموال الشعب قبل الثورة كانت مصر تنقسم الى طبقه فقيرة وطبقة غنية وليست هذه هى المشكلة ولكن المشكلة كانت فى اتساع الفارق بين الطبقتين . وقامت الثورة على امل تخفيف هذا الفارق وضمان مستوى معيشى معقول ولكن هذا لم يحدث ولن يحث فى ظل نظاماً يعتمد على جهل المواطن والتلاعب به وبمشاعره وبإستغلال الدين لمصلحته.

5- الانتقال من التفكير فى مصلحة الوطن الى التفكير فى المكاسب السياسية :
من أسباب نجاح الثمانية عشرة يوماً للثورة هو الإتحاد بين جميع القوى السياسية وجميع طوائف الشعب ولكن بعد الثورة وبعد تغير الظروف وظهور الكثير من المطامع السياسية والاجتماعية انحرفت الكثير من القوى السياسية عن المسار الصحيح وبدأت فى التحالفات السياسية المشبوهه بالنظام القديم او مع  من يستغلون الدين لصالحهم .

6- إفتقاد العزيمة والامل فى مستقبل مشرق :
ونتيجة طبيعية لكل هذه السلبيات فلقد انطفأ نور الأمل فى عقول الشباب حيث ضاع ما كانو يحلمون به من عيش وحرية وعدالة وكرامة إنسانية . ولكن لن يستمر هذا لوقت طويل وفى القريب العاجل سوف يستيقظ الشعب من غفلته ويعلم ما حدث بثورته . وحقيقة من كانوا يخدعوه بأسم الدين ومن كان واقف بجانبهم طوال الطريق رغم تخوينه .   وسوف ينتفض من جديد ويحقق الحلم الذى سلب منه ووقتها نقدر ان نقول ان الثورة حققت مطالبها وان الشعب اسقط النظام                          
وغدا لقريب ..................


الدهشة والعقول المتحجرة





"هذا المقال حاصل علي شهادة التقدير من رئيس قسم الفلسفة بكلية آداب جامعة القاهرة"

      إن لم أكن مواطناً مصرياً لكنت وجدت صعوبة يمكن ان تصل الى القصوى فى التعبير عن موقف ادهشنى فى الحياه . فمصر مليئه بكل ما يدهش العقل ويحرك الافواه .
كم أدهشنا فى حياتنا من ظلم وفقر وديكتاتورية ؟ . ولكن ما أدهشنى حقاً هى الأفكار البالية فى عقولنا المتحرجة . منها ما ورثناها  ومنها ما ابتدعناها .
 كم إندهشت من عادات تملأ مجتمعنا ولكنها لا تعبر عنا ؟ . كم اندهشت من افواه تتكلم وعقول تفكر بأفكار متناقضة فاسدة  جار عليها الزمن ؟ .

فى كل مكان فى بلدى أنظر إليه أرى أشياءاً تدهشنى . فعندما انظر فى بيتى أرى أباً يتحكم فى أبناءه بمنتهى الدكتاتوريه . رأيه الصواب حتى لو جار على رأيه الزمان. قوله لا يجب أن يخالف حتى ولو كان خاطئاً . عقله هو أنبغ العقول وانضجها حتى ولو كان لا يجارى هذا الزمان . ابنائه من صنعه يجب  ان يسيروا على خطاه حتى لو كان مخطئاً ، شريكة الحياه يجب أن يرضى عليها الاب قبل الابن نفسه . لا وجود للاعتماد على النفس ولا وجود للحريه .
واذا نظرت الى مجتمى أرى حكاماً يتحكمون فى البشر . أرى شعوباً تغتصب حرياتها . أرى عبيداً تلسم الاقدام . أرى فقراء ، ضعفاء ، واغنياء متحكمون فاسدون . أرى من باع ارضه من اجل المال . ومن باع دمه من اجل الوطن . ارى من استغل الدين ليغيب العقل ويستر الفساد .

واذا تركت هذا كله ونظرت الى ثقافتى أراها ثقافة هشة ترى التحرش بسبب الفتيات وليس بسبب النفس الضعيفة للشباب . ترى الحب مباحاً للرجال وحراماً للنساء ؛ بحجه اننا مجتمع شرقى . ترى الخيانة مباحة للزوج اما الزوجة فانها كعود  الكبريت لا يباح ان تمس  .  ترى المرأه عوره وترى الرجل حراً . ترى تعليم الجنس حرام . ترى الملحد لا حق له فى الحياة . وترى المجرم من الحق أن يموت بدون ان يحاكم بالعدل . ترى أن الحاكم أباً لنا لا يمكن محاسبتة او الاعتراض عليه او تغييره .
وعندما أنظر الى شيوخنا الأبرار اجد من يكفر ذاك ويبيح قتل ذاك . اجد من يقول أن الديمقراطيه حرام وان المتظاهرين كفار، ويحلل فيهم القتل . اجد من يستخدم الدين للوصول الى السلطه . أجد من يسير على أجساد الشهداء للوصول الى الكرسى . واجد قليل ممن اتبع ديننا الصحيح وسنه نبينا الكريم .
وما يدهشنى حقا هو ثقتنا فى انفسنا مع ذلك العوار .  واقتناعنا بأننا اذكى شعوب الارض وانبلهم . والغريب انك تجد مع كل هذا اناس متفتحين ومستنيرين ، وكلما بدأت فى اليأس تجد الحلم بين يدك وحين تقترب منه يبدو كالسراب .
فما اكثر ما يدهشنى فيكى يا بلادى .